السبت، 6 فبراير 2016

بيان كذب عبارة منسوبة لابن القيم [ إذا فتح الله عليك في باب قيام الليل ، فلا تنظر للنائمين نظرة ازدراء ]



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي حتى نشره بعض دكاترة الشريعة والصفحات المتخصصة ما يلي

 [ قال ابن القيم :
إذا فتح الله عليك في باب قيام الليل ،
فلا تنظر للنائمين نظرة ازدراء .
وإذا فتح الله عليك في باب الصيام ، فلا تنظر للمفطرين نظرة ازدراء.
وإذا فتح الله عليك في باب الجهاد ، فلا تنظر للقاعدين نظرة ازدراء .
فرب نائم ومفطر وقاعد .. أقرب إلى الله منك.
مدارج السالكين (1/177) ]


قلنا :  هذا النص لا علاقة لابن القيم به ولا وجود له في كتبه لا المصدر المذكور ولا غيره وصياغته صياغة معاصرة بينة ولا تشبه كلام ابن القيم

وكلام ابن القيم في هذه المسألة هذا نصه :

وَقَوْلُهُ : وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ عَيَّرْتَ بِهَا أَخَاكَ فَهِيَ إِلَيْكَ.
 
يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ: أَنَّهَا صَائِرَةٌ إِلَيْكَ وَلَا بُدَّ أَنْ تَعْمَلَهَا

 وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  [ مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ ]
 
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ : مِنْ ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ.

وَأَيْضًا فَفِي التَّعْيِيرِ ضَرْبٌ خَفِيٌّ مِنَ الشَّمَاتَةِ بِالْمُعَيَّرِ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا مَرْفُوعًا  [ لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ ]

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ : أَنَّ تَعْيِيرَكَ لِأَخِيكَ بِذَنْبِهِ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنْ ذَنْبِهِ وَأَشَدُّ مِنْ مَعْصِيَتِهِ
 لِمَا فِيهِ مِنْ صَوْلَةِ الطَّاعَةِ ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ ، وَشُكْرِهَا ، وَالْمُنَادَاةِ عَلَيْهَا بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الذَّنْبِ

 وَأَنَّ أَخَاكَ بَاءَ بِهِ ، وَلَعَلَّ كَسْرَتَهُ بِذَنْبِهِ ، وَمَا أَحْدَثَ لَهُ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ ، وَالْإِزْرَاءِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَالتَّخَلُّصِ مِنْ مَرَضِ الدَّعْوَى ، وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ ، وَوُقُوفَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ نَاكِسَ الرَّأْسِ ، خَاشِعَ الطَّرْفِ ، مُنْكَسِرَ الْقَلْبِ

 أَنْفَعُ لَهُ ، وَخَيْرٌ مِنْ صَوْلَةِ طَاعَتِكَ ، وَتَكَثُّرِكَ بِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِهَا ، وَالْمِنَّةِ عَلَى اللَّهِ وَخَلْقِهِ بِهَا
 فَمَا أَقْرَبَ هَذَا الْعَاصِيَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ !

 وَمَا أَقْرَبَ هَذَا الْمُدِلَّ مِنْ مَقْتِ اللَّهِ

 فَذَنْبٌ تَذِلُّ بِهِ لَدَيْهِ ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَةٍ تُدِلُّ بِهَا عَلَيْهِ

 وَإِنَّكَ أَنْ تَبِيتَ نَائِمًا وَتُصْبِحَ نَادِمًا ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَبِيتَ قَائِمًا وَتُصْبِحَ مُعْجَبًا، فَإِنَّ الْمُعْجَبَ لَا يَصْعَدُ لَهُ عَمَلٌ

 وَإِنَّكَ إِنْ تَضْحَكْ وَأَنْتَ مُعْتَرِفٌ ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَبْكِيَ وَأَنْتَ مُدِلٌّ

 وَأَنِينُ الْمُذْنِبِينَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ زَجَلِ الْمُسَبِّحِينَ الْمُدِلِّينَ

 وَلَعَلَّ اللَّهَ أَسْقَاهُ بِهَذَا الذَّنْبِ دَوَاءً اسْتَخْرَجَ بِهِ دَاءً قَاتِلًا هُوَ فِيكَ وَلَا تَشْعُرُ 

فَلِلَّهِ فِي أَهْلِ طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ أَسْرَارٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ، وَلَا يُطَالِعُهَا إِلَّا أَهْلُ الْبَصَائِرِ
 فَيَعْرِفُونَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا تَنَالُهُ مَعَارِفُ الْبَشَرِ ، وَوَرَاءَ ذَلِكَ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ

 وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  [ إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَلْيُقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ ] أَيْ لَا يُعَيِّرْ ، مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِإِخْوَتِهِ {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}
 
 فَإِنَّ الْمِيزَانَ بِيَدِ اللَّهِ ، وَالْحُكْمَ لِلَّهِ ، فَالسَّوْطُ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ هَذَا الْعَاصِي بِيَدِ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ ، وَالْقَصْدُ إِقَامَةُ الْحَدِّ لَا التَّعْيِيرُ وَالتَّثْرِيبُ

 وَلَا يَأْمَنُ كَرَّاتِ الْقَدَرِ وَسَطْوَتَهُ إِلَّا أَهْلُ الْجَهْلِ بِاللَّهِ  

 وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَعْلَمِ الْخَلْقِ بِهِ ، وَأَقْرَبِهِمْ إِلَيْهِ وَسِيلَةً {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}
 وَقَالَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} ] انتهى كلامه رحمه الله تعالى

فأخذ هذا النص وحرف المعنى وصاغه من عنده واختصره اختصاراً مخلاً
فابن القيم اشترط في كون العاصي أو المقصر أقرب إلى الله ممن ظاهره الطاعة أن يكون العاصي منكسراً مزرياً على نفسه ومن هذه حاله ما أقربه من التوبة بل يقبل بالطاعات ، وأن يكون الطائع مستكبراً معجباً بطاعته
وانظر العجب النص المحرف منتشر أكثر من الكلام الأصلي وفيه مسحة واضحة ممن حرفه ، انتقى بعض الطاعات العظيمة الجليلة ، واختزل كلام ابن القيم اختزالاً يفرح به حتى العاصي المصر المستكبر
وإنا لله وإنا إليه راجعون ...