الثلاثاء، 15 يوليو 2014

بيان بطلان رسالة منتشرة بين الناس [ معلومة رائعة : النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أمياً ] !!



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :


فقد انتشرت بين الناس هذه الرسالة الباطلة المنكرة :

[سأل أحد الناس بعض العلماء فقال له : يبن رسول الله لم سمي النبي الأمي ؟
فقال عليه السلام : ما يقول الناس ؟
فقال الرجل : يقولون أنه سمي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب
فقال عليه السلام : كذبوا عليهم لعنة الله ، كيف و الله يقول في محكم كتابه { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } ، فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن؟ والله لقد كان رسول الله يقرأ ويكتب بثلاث و سبعين لسانا ، وإنما سمي( الأمي ) لأنه كان من أهل مكة، ومكة من أمهات القرى ، وذلك قول الله عزوجل ( ولينذر أم القرى ومن حولها) ]
 ثم كتب بعدها انشر إذا كان عندك قروبات ليزيد الأجر !!

أقول : أولاً : هذه خرافة لم يعرفها أحد من علماء الإسلام وسبحان الله كيف ينتشر الكلام الباطل بين الناس بهذه السرعة والسهولة

وهذا الكلام باطل كذب مخالف لإجماع المسلمين بل حتى اليهود والنصارى يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً لم يقرأ ولم يكتب , وإنما ظهر بعض المعتزلة والجهمية من قالوا أنه قرأ وكتب بعد ما بعث
وهذا القول وإن كان ذكره بعض الجهمية الأشاعرة وغيرهم إلا أني لم أقف عليه على أحد من علماء [ السنة ] المعروفين بسلامة المعتقد لذا فهو دخيل على اعتقادات أهل السنة والله أعلم

الأمر الثاني : أني وجدت هذا الأثر في مواقع الرافضة – أخزاهم الله وقبحهم – وفي بعض كتبهم ينقلونه بنصه عن الإمام الرضى
وهو محض كذب لا وجود له ولم يرو أهل السنة ممن يعتد بقوله
بل الرضى نفسه لا أحسب أن شيئاً يصح إليه
وبئس المصدر وبئس السلف هولاء الحمقى المتهوكون

والآن نذكر الأدلة على بطلان هذه الدعوى :
قال ابن أبي حاتم في تفسيره [  17370 ]:
 حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ :
{ وَمَا كنت تتلوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذَا }
 قَالَ : كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَجِدُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ مُحَمَّدًا لَا يَخُطُّ بِيَمِينِهِ وَلا يَقْرَأُ كِتَابًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ.
أقول : هذا إسناد صحيح إلى التابعي مجاهد الذي عرض القرآن على ابن عباس مرات يوقفه عند كل آية يسأله عنها  , ومعناه أن أمية النبي عليه الصلاة والسلام بشارة بشر بها في الكتب قبله

و قال ابن أبي حاتم في تفسيره [  17371 ]  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ
: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} قَالَ:
 كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا قَبْلَهُ وَلَا يَخُطُّهُ بِيَمِينِهِ .
قَالَ: وَكَانَ أُمِّيًّا وَالْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يَكْتُبُ .
إسناده صحيح إلى قتادة .

وقال ابن أبي حاتم [ 17372 ] :
 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي عَمِّي، ثنا أَبِي، عَنْ جَدِّهِ، عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ:
{وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}  قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّيَّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ.
هذه رواية العوفيين والكلام فيها كثير وقد تحتمل ما لم تخالف الثابت عنه

وقال ابن أبي حاتم [  17376 ]:  حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَبُو الدَّرْدَاءِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُنِيبٍ، ثنا أَبُو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ:
 {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} .
قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ، وَكَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَنَّهُ نَبِيُّ أُمِّيُّ، لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ وَهِيَ الْآيَةُ الْبَيِّنَةُ.
وهذا إسناد صحيح إلى الضحاك وهو ابن مزاحم من مفسري السلف

وقال ابن جرير في تفسيره [ 1 / 254 ]  وهو يتكلم عن صدق النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته : [ وأنَّى يُمكنُ ادّعاء اللَّبس في صدق أمِّيٍّ نشأ بين أمِّيِّين لا يكتب ولا يقرأ، ولا يحسُب ؟ ]
فهذا هو المتقرر عندهم  , بل ظاهر كلامه أن النبي لو قرأ أو كتب لكان هناك لبس في أمره والله أعلم

وقال شيخ الإسلام في الجواب الصحيح [ 3 / 217 ]  :
 بين سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه متواتر عند من غاب عنه وبلغته أخباره من جميع الناس :
 أنه كان أميا لا يقرأ كتابا ولا يحفظ كتابا من الكتب لا المنزلة ولا غيرها ولا يقرأ شيئا مكتوبا لا كتابا منزلا ولا غيره ولا يكتب بيمينه كتابا ولا ينسخ شيئا من كتب الناس المنزلة ولا غيرها.
ومعلوم أن من يعلم من غيره إما أن يأخذ تلقينا وحفظا وأما أن يأخذ من كتابه وهو لم يكن يقرأ شيئا من الكتب من حفظه ولا يقرأ مكتوبا والذي يأخذ من كتاب غيره إما أن يقرأه وأما أن ينسخه وهو لم يكن يقرأ ولا ينسخ.انتهى
وهذا ينقله شيخ الإسلام بما هو معلوم عند الخاصة والعامة كما ترى 

وقال شيخ الإسلام  في رسالة في تفسير سورة الإخلاص [ ص 102 ] : وَقَوْلُهُ : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ } هُوَ أُمِّيٌّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . لِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ مَا فِي الْكُتُبِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ مِنْ حِفْظِهِ بَلْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَحْسَنَ حِفْظٍ .انتهى

وقال في الأصبهانية [ 152 ] : ومعلوم أيضا لمن علم حال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان رجلا أميا نشأ بين قوم أميين ولم يكن يقرأ كتابا ولا يكتب بخطه شيئا كما قال تعالى: { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} . انتهى

وقال في المجموع وهو يعدد صفات النبي صلى الله عليه وسلم وما يدل على صدقه [  18 / 10 ] : مِثْلُ الْمَعْرِفَةِ : فَإِنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ وَأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ مُتَعَلِّمٌ مِثْلَهُ . انتهى

وقال ابن رجب في التفسير المجموع له : [ وفي كونِهِ منهم فائدتان:
إحداهما: أنَّ هذا الرَّسول كان أيضًا أميًّا كأمَّتهِ المبعوثِ إليهم، لم يقرأْ كِتابًا
قطُّ، ولم يخُطهُ بيمينهِ، كما قال اللَّه تعالى: { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } الآيات.
 ولا خرجَ عن ديارِ قومهِ فأقامَ عندَ غيرِهم حتَّى تعلَّم منهم شيئًا.
 بلْ لم يزل أُميًّا بين أمَّةٍ أمّيَّةٍ، لا يكتُبُ ولا يقرأُ
حتى كمَّلَ الأربعينَ من عُمره ، ثمَّ جاءَ بعد ذلكَ بهذا الكتابِ المبين , وهذه الشريعةِ الباهرةِ ، وهذا الدِّينِ القيِّم ، الذي اعترفَ حُذَّاقُ أهل الأرضِ ونُظَّارُهُم أنَّه لم يقرع العالمَ ناموسٌ أعظمُ منه , وفي هذا بُرهان ظاهر على صدقه. ]

أما قوله أن مكة أم القرى فينسب لها الرجل أمي فهذا لم يقل به أحد قط ولا زال الناس يقولون فلان المكي , بل هذه النسبة لا أعرفها لأحد أبداً ولم أقف على من ذكرها البتة
وهذا من أغرب الغرائب ولا أدري كيف تروج مثل هذه السخافات على الناس

شبه أخيرة :
مما يحتج به بعض المتأخرين في أن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم القراءة والكتابة بعد ما بعث 
ما صنعه في يوم الحديبية من أنه محا اسمه وكتبه
وهذا الشبهة ضعيفة فكثير من الأميين إلى اليوم يعرفون رسم اسمه ويستطيعون رسمه
وكان جدي رحمه الله يصنع ذلك وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ : ولعله لكثرة ما أملى على كتاب الوحي والكتب إلى الملوك وغيرهم عرف الخط وفهمه فكتب الكلمة والكلمتين كما كتب اسمه الشريف يوم الحديبية محمد بن عبد الله ، وليست كتابته لهذا القدر مخرجة له عن الأمية ككثير من الملوك أميون ويكتبون العلامة .. .انتهى
والخبر فيه روايات أصلا وفي بعضها أمر بالكتابة وفي بعضها سأل عليا أن يريه مكان اسمه وغيرها

وذكروا خبر أنه أراد أن يكتب كتاباً في آخر عمره , وهذا ليس بدليل أصلا فالمراد والله أعلم أنه أراد أن يأمر بكتابة الكتاب , كما كتب لعدد من الصحابة ولا زالوا يقولون كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لفلان ومعلوم جداً أنه لم يكتب تلك الكتب بيده .

ثم قبل هذا كله : من فهم من هذه النصوص هذا الفهم من علماء السلف ومفسريهم ؟
الجواب : لا أحد فيما نعلم
وهذا كاف في إسقاط هذه الأطروحة من أصلها , والله تعالى أعلم وأعلم

وقد ألف بعض المالكية رسالة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتب ويقرأ فكفره علماء عصره نسأل الله السلامة والعافية ونسأله اتباع السلف في القول والعمل والاعتقاد

والحمد لله رب العالمين ...